ثانياً: ليزداد إيماننا ويقيننا بصدقه، فالوقوف على معجزاته ودلائل نبوته مما يزيد في الإيمان واليقين في صدقه صلى الله عليه وسلم، فدراسة سيرته العطره وما سطرته كتب السيرة من مواقف عظيمة، وحياة كاملة كريمة، تدل على كماله ورفعته وصدقه.
أمثلة من دلائل النبوة:
1. حنين الجذع، وتكثير الطعام، ونبع الماء بين أصابعه.
2. الإخبار بأمور غيبية مستقبلية فوقعت كما أخبر: قصة خباب، حرام بنت ملحان في ركوب ثبج البحر، حديث أبي هريرة في الصحيحين يهلك كسرى فلا يكون كسرى بعده، في البخاري إن ابني هذا سيد..، وفيه: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، من أشراط الساعة أن يتباها الناس في المساجد .
3. الإخبار بأحداث وقعت للصحابة: عبد الرحمن بن يزيد أبو عبلة، المرأة التي معها الكتاب، عمير بن وهب الجمحي.
ثالثاً: لينغرس في قلوبنا حبه، فما حملته سيرته من أخلاق فاضلة، ومعاملة كريمة، وحرصه العظيم على هداية الناس وصلاحهم وجلب الخير لهم، وبذل نفسه وماله في سبيل إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة، وماكان من حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته في إبعادها عن ما يشق عليها ويعنتها، ولا أعظم من وصف الله جل وعلا له في قوله: ] لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [ ، وقال سبحانه وتعالى واصفاً نبيه صلى الله عليه وسلم: ] وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ ، وأنه لم ينتقم لنفسه قط، ولا فرح أو حزن، أو ضحك أو غضب من أجل نفسه ومصالحه الشخصية قط، أو انتصر لنفسه مرة واحدة، بل كل ذلك من أجل الله تعالى.
أمثلة:
1. دخوله الكعبة.
2. ترك بعض الأعمال خشية أن تفرض على أمته، في البخاري ومسلم عن عائشة: " إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ".
رابعاً: لنعبد الله تعالى بذكره والصلاة والسلام عليه قال الله تعالى: ] إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ ، وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا )) .
إضافة نصوص من كتاب ابن القيم:
ميزات وخصائص السيرة النبوية:أولاً: أنها معلومة ومسجلة ولم يخف منها شيء، فما ترك علماء الإسلام على مر التاريخ باباً من أبواب السيرة إلا وقد ألفوا فيه مؤلفاً مستقلاً، شمل ذلك دقائقها وجزئياتها حتى أصبح المسلم عند قرائته لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يعايشه ويشاهده تماماً لوضوحها وشمولها.
وسيأتي بيان ذلك في الحديث عن مصادر السيرة النبوية، ويكفي أن تعلم أن عدد ما ألف في السيرة النبوية في اللغة الأوردية - وهي لغة حديث - ما يزيد على ألف كتاب، وعدد ما ألف في اللغات الأوربية في نفس القرن ما يزيد على ألف وثلاث مائة كتاب هذا في القرن الثالث عشر .
ثانياً: ما تميزت به من الصدق والأمانة في نقلها، فقد حظيت ضمن كما حظيه الحديث من التمحيص والتحقيق والمقارنة والتثبت من النقلة ومعرفة الصحيح منها من الضعيف، فأصبحت أصح سيرة نقلت إلينا عن نبي أو عظيم.
ثالثاً: أن رسالته عامة لجميع الخلق مع خلودها.
فسيرته قدوة وأسوة لكل البشر قد ساوت بين الملوك والسوقة من وجه استفادة الجميع منها، سيرة ينتفع بها صغار الناس وكبارهم، فهم في دين الله سواء قد رفع من شأن الجميع.
ولا شك أنه ما من خير وصلاح وسعادة في الدنيا والآخرة إلا وهو مستقى منها، وما من شر وفساد وشقاء وظلم وجور إلا بسبب جهلها والبعد عن الاقتداء بسيرته صلى الله عليه وسلم .
لقد أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو بعد في مكة ومحاصر فيها - قوله تعالى: ] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ [ ، فهو الرحمة المسداة والنعمة المهداة للبشرية جميعاً، رحمة لهم ومنقذاً إياهم من الشقاء والضلال والظلم والفساد والضياع والانحطاط، إلى السعادة والهداية والعدل والصلاح والرفعة والعلو والكرامة قال تعالى: ] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [ ، وقال جل وعلا: ] تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلعَالَمِينَ نَذِيراً [ ، وقال صلى الله عليه وسلم: (( وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً )) .
* إن الإنسانية كلها تتطلع إلى مثل أعلى تقتدي به ولن تجد سيرة لعظيم أو نبي معلومة كاملة شاملة غير سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
* إن أي دين لا يقوم على ركيزتين: حقوق الله، وحقوق البشر لا يمكن أن ينقذ البشرية ويقودها إلى الصلاح والنجاة والسعادة والكمال.
والديانات الآن على قسمين: منها ليس فيه ذكر لله ألبتة مثل البوذية والديانات الصينية، ومنها من تؤمن بوجود الله تعالى لكن لا يعرف الإنسان فيها كيف يعتقد بربه؟ وبأي صفة يصفه؟ وبأي شكل تتجلى العقيدة في الله عز وجل؟
أما حقوق البشر فابحث في جميع الأديان هل تجد تفصيلاً للحياة الأسرية والعلاقات الاجتماعية، فضلاً عن الحياة السياسية والعلاقات الدولية، والشئون الاقتصادية، تفحص في سير جميع الأنبياء والعظماء هل تجد إجابة على هاتين الركيزتين، بالتأكيد أنك لن تصل إلى نتيجة إلا في دين الإسلام وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
اسأل البوذيين ماذا يعرفون عن بوذا وما أخلاقه؟ وما علاقات مع أسرته فقط؟ لن تجد جواباً.
واسأل النصارى عن عيسى عليه السلام ماذا يعرفون عنه قبل النبوة؟ والتي يحددونها بثلاثين عاماً وبعد النبوة ثلاثة أعوام، وكيف العلاقة بينه وبين أمه، أو بينه وبين ربه التي يزعمون بنوته له؟ تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، فلن تجد عند جميع هؤلاء أي جواب، بل ستجد الدهشة بادية على وجوه جميع من تسأله من عالم وغيره.
أما نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم فقد بعث بتعظيم بتحقيق أمرين عظيمين هما: حق الله، وحق العباد، والنصوص كثيرة جدا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: ] واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم [ وقال تعالى: ] وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [ وقال في صفات أهل الإسلام: ] الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون [ وقال في صفات أهل الجنة: ] الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيض والعافين عن الناس والله يحب المحسنين [ ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالته قال: " أرسلني الله بكسر الأوثان وصلة الأرحام وأن يعبد الله لا شريك له "ولما سئل أن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: " تقوى الله وحسن الخلق "
رابعاً: كمالها بلا عيب أو نقص أو ضعف أو خلل، قلِّب بصرك وعقلك في ثنايا السيرة النبوية الشريفة هل ثمت شيء تنتقده، أو عيب تجده.
* إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقض وقته بين أحبابه وأصحابه، بل قضى أغلب عمره بين ألد أعدائه وهم المشركون، وفي آخر عمره كان يجاوره اليهود والمنافقون، فلم يستطعيوا أن يرموه بنقيصة في أخلاقه وشمائله وصدقه، على الرغم من حرصهم الشديد بالبحث والتنقيب عنها، فقد رماه أهل مكة بالألقاب السيئة وعيَّروه بالأسماء القبيحة، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يقدحوا بشيء من أخلاقه، أو يدنسوا عرضه الطاهر على الرغم من إنفاقهم أموالهم وإزهاقهم أرواحهم في عدائه، قال تعالى: ]قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ [
وقد أخرج البخاري عن ابن عباس في صعود النبي صلى الله عليه وسلم الصفا لتبليغ الناس حيث قال:
(( أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقاً))
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: (( إن أول يوم عرفت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وأبوجهل بن هشام في بعض أزقة مكة، إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل: (( يا أبا الحكم هلمَّ إلى الله ورسوله، إني أدعوك إلى الله)) فقال أبوجهل: يا محمد، هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهد أن قد بلغت؟ فو الله لو أني أعلم أن ما تقول حقاً ما تبعتك!
فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عليَّ فقال: والله إني لأعلم ما يقول حق، ولكن بني قصي قالوا: فينا الحجابة، فقلنا: نعم، قالوا: فينا الندوة، قلنا: نعم، قالوا: فينا اللواء، قلنا: نعم، قالوا: فينا السقاية، قلنا: نعم، ثم أطعموا، وأطعمنا، حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي! فلا والله لا أفعل )).
وقصة الوليد بن المغيرة لما جمع قريش في الموسم للاتفاق على كلمة واحدة يختلقونها في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي - دليل صريح على حرصهم على الوقيعة في رسول اللهصلى الله عليه وسلم، والبحث والتنقير عن أي نقيصة أو عيب ولكن أنى لهم ذلك، فراحوا يختلقون عليه من عند أنفسهم دون حياء.
* جل العظماء حالتهم مع الناس غير حالتهم مع أهلهم وفي بيوتهم، ولا يرضون لزوجاتهم أن تخبر عن أحوالهم، بل تعتبر حياتهم الخاصة سراً من الأسرار يعاقب على إفشائها، وكل الناس كذلك لا يرضون أبداً أن يطلع أحد على كثير من حياتهم الأسرية الخاصة.
ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو لم يرض فقط بل أمر أن ينقل عنه كل شيء، فبلغ عنه أزواجه كل ما رأوه منه، حتى إنها لتبلغ عنه ما كان تحت اللحاف فيما بينه وبينها، وعن غسلها معه من الجنابة، حتى أن الرجل ليعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما يعرفه عن أبيه الملاصق له والساكن معه!
خامساً: شمولها لجميع نواحي الحياة مع الوضوح التام فيها.
لقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم بين صحابته وتزوج بتسع نسوة، وأمر أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وقال: (( بلغوا عني ولو آية )) وقال: (( نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع )) وما سافر وحده قط، ولا اعتزل الناس في يوم من الأيام أبداً، وقد تظافر الصحابة على نقل كل شيء عنه، بل تفرغ عدد منهم للرواية والمتابعة له كأهل الصفة.
لقد وصفوه في قيامه وجلوسه، وكيف ينام، وهيئته في ضحكه وابتسامته، وكيف اغتساله ووضوءه، وكيف يشرب ويأكل وما يعجبه من الطعام، ووصفوا جسده الطاهر كأنك تراه، حتى ذكروا عدد الشعرات البيض في رأسه ولحيته، ولمحة في كتاب من كتب السيرة والشمائل تجد العجب من هذا الشمول وهذه الدقة في الوصف والنقل.
سادساً: أنها بعمومها لم تتعد القدرة البشرية، أي أنها لم تتكئ على الخوارق، أو قامت فصولها على معجزة من المعجزات خارجة عن قدرات البشر.
بل إنه من السهل التعرف عليها وتطيبقها، والاقتداء بها، فليست مثالية التطيبق.
أمثلة:على سبيل المثال: الهجرة، الحج، الجهاد …